الصفحة الأساسية > آراء حرة > "النٌقْدُ الناعم": أصْدَقُ الشكر و أعْذَبُهْ!!

"النٌقْدُ الناعم": أصْدَقُ الشكر و أعْذَبُهْ!!

الأربعاء 5 آب (أغسطس) 2015  16:12

المختار ولد داهي،سفير سابق
  • النقد الناعم المُلتزٍم بالضوابط و الآداب البادئ عن حسن نية بذكر المحاسن و الإيجابيات المَبَيٍنُ بقوة في لطف للنواقص و السلبيات الخَاتٍمٍ بالبدائل و الاقتراحات المًوًجًهِ إلي ذوي الشأن العام علي اختلاف مراتبهم هو أحدث طَبَعَاتِ الشكر و الثناء تماما كما أن المديح الهابط و النفاق الخالص هو أقدم نسخ الشكر و أكذبها و أكثرها فسادا و إفسادا. و النقد الناعم هو أصدق الشكر وأعذبه و ما كان النقد الناعم الهادئ الرشيد في كلام إلا زانه و ما كان المديح و "التصفيق" و الإسفاف في حديث إلا شانه.
  • و الحق أني لا أعلم في التاريخ السياسي و الإداري الحديث بظاهرة أضرت معنويا بهيبة المثقفين و الأطر و النخب الوطنية و المراجع المجتمعية أكثر من ما أضرت ظاهرة التملق و التزلف و النفاق السياسي و الإداري التي بلغت مستويات تشكل خطرا علي كرامة البشر و لو سُئِلْتُ لاقترحت تصنيفها تحت مصطلح" الانتهاك الذاتي لحقوق الإنسان" و لطالبت بإدراجها ضمن خانة خوارم المروءة و الجرائم ضد الكرامة الإنسانية.
  • و قد بلغت ظاهرة النفاق السياسي و الإداري حدا أن ذاع في الناس – و هم في ذلك مُبَالِغُون- أنها أوردت البعض مشارف "فقدان العقل " و إن كان من المتفق عليه أنها أسقطت العديد من أعلام المثقفين و السياسيين و صانعي الإدراك الوطني من قلوب الرأي العام و صَيًرَتْهُمْ "رموز نفاق سياسي" كما أبعدت آخرين عن الأضواء السياسية و الإعلامية حين اسْوَدًتْ وجوههم من إسفاف ما كتبوا أو نطقوا في لحظات ضعف: جشع أو جوع أو خوف أو " سُكْرٍ سياسي".
  • و قد فطنت كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت علي البلد إلي خطورة النفاق السياسي و الإداري و لذلك فمن المُلاحظ أن كل الأنظمة السياسية تصدع في بياناتها الأًوُلِ بالابتعاد عن المديح السياسي و ذم النفاق و التملق و تحميل بطانات التملق و النفاق السياسي الحربائية المسؤوليةَ الكبري عن فسادِ "الأنظمة البائدة" و الأخطاء التي ارْتُكْبَتْ خلال فترة الحكم انتهاكا لحقوق الإنسان أو سرقة للمال العام أو تهديدا للأمن القومي....
  • لكنه سرعان ما يتم اختراق تلك الأنظمة السياسية- و إن علي تفاوت- من طرف جحافل النفاق السياسي فتنقسم الأنظمة في ذلك إلي ثلاث فئات: فئة تستهويها صَنْعَةُ المنافقين فتعمل فيها عمل المُخَدٍرِ عَالِيٍ التخدير فتغدُوً أسيرة لها " مرتبطة بها" و فئة أخري تبَشٌ في وجوه المتملقين وقد تمنح لهم الامتيازات لكنها تستهجن أفعالهم و فئة قليلة ثالثة تمانع و تكافح ضد سيطرة لوبيات التملق متسلحة بمناعة متينة ضد غواية التملق و النفاق.
  • و أترك للقارئ الذي نَوُرَ قلبه التصنيف ضمن الفئات الثلاثة المنوه عنها سابقا لما لاحظه الموريتانيون من صُدُودِ المسؤولين و عدم رضاهم عن إصرار بعض النخب و الأطر و المراجع المجتمعية علي لازمة من المديح المنتمي لقاموس الأحادية السياسية و اهتمام أولائك المسؤولين الملحوظ بالمواطنين الذين يتظلمون أو ينتقدون و يتطلعون للأحسن و ذلك خلال زيارات كبار المسؤولين للمرافق العمومية بالمراكز الحضرية الكبري و المناطق الداخلية.
  • و تعتبر قطاعات السياسة و الإدارة و الإعلام القطاعاتِ الأكثر إصابة خلال العقود الماضية حين كان لا صوت فيها يعلو أصوات المنافقين و المتملقين حتي أضحي الرأي العام جاهزا لوصف كل سياسي و إعلامي و إداري بالمتملق و المنافق مما ألجأ بعض المنتسبين الشرفاء لهذه القطاعات للكف أحيانا عن تبيان محاسن بعض السياسيات العمومية و إلي شيئ من عدم الانضباط و الخشونة المعاملاتية و الصدامية مع كبرائهم في العمل و لسان حالهم أن " غضب كبراء العمل أهون من لعنة الرأي العام".
  • و في اعتقادي أن القطيعة مع ثقافة الشكر الكَذُوب و المديح الهابط المنافي للذوق العام و الاستعاضة عنها بثقافة النقد الناعم و الشكر الصادق السائغ للرأي العام تتطلب من الباحثين إنجاز دراسة رصينة لتشخيص أسباب الانتشار الواسع و الراسخ لثقافة المديح الهابط و اقتراح التصحيحات المناسبة حتي نُطَهٍرَ فضاءاتنا السياسية و الإدارية و الإعلامية من هذا الوباء المُدَمٍرِ للأخلاق و قديما قيل إن أُفُولَ الأمم و الدول لا حق علي ذهاب أخلاقهم.
  • و في انتظار من يقتنع فيتطوع بدراسة ظاهرة الانتشار الواسع للمديح الإداري و السياسي و الإعلامي الهابط أقترح "الحروف الأولي" لبعض الإجراءات التي من شأنها نزع الحساسية عن نقاش موضوع محاربة التملق و النفاق الإداري و السياسي:-
  • أولا: استحداث يوم وطني لترقية ثقافة النقد الذاتي و "محاربة التخدير المديحي" : و يهدف استحداث تخليد هذا اليوم الوطني إلي ترسيخ ثقافة النقد الذاتي و محاربة التخدير المدائحي الذي أفسد كل من المجتمع و السلطة معا في مجتمعات عربية عديدة.
  • ثانيا: الإقلاع عن بعض التصرفات المجاملاتية المشينة: و من أوكد تلك التصرفات المجاملاتية الانحناء المفرط عند السلام علي كبراء العمل و مسح اليد علي الوجه بعد السلام عليهم و التصفيق أثناء الخطابات و السؤال عن أحوال العائلة الخاصة لكبراء العمل كالزوجة و الأبناء. ..
  • ثالثا: إعداد ميثاق طوعي يحرم استخدام بعض العبارات المديحية: و يُقترح أن تبدأ بعض الأحزاب و الإدارات العمومية بإعداد ميثاق طوعي charte يحرم استخدام بعض العبارات المنتمية إلي قاموس الأحادية السياسية و منها كل " الكلمات- الحقائب"les mots- valises التي تشي بما يشبه التأليه و التقديس و منها أيضا كلمة " الدعم اللامشروط" ذائعة الانتشار، المفرطة في الطاعة العمياء و المنافية للشرع و القانون و الذوق الاجتماعي السليم...

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016