الصفحة الأساسية > آراء حرة > حرق الكتب الفقهية ، من حرق من ؟ بقلم الحسن ولد أسويلم

حرق الكتب الفقهية ، من حرق من ؟ بقلم الحسن ولد أسويلم

الأربعاء 9 أيار (مايو) 2012  12:06

تطالعنا في هذه الأيام موجة من الاحتجاجات جابت كل أرجاء الوطن تنديدا و استنكارا للفعلة الطائشة التي قام بها الناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيدنا و قد رعت الدولة بامتياز هذه الاحتجاجات ممثلةً في سيادة الرئيس من جهة و باقي أجهزة الدولة التشريعية و القضائية و التنفيذية من جهة أخرى، وتتالت في الإطار نفسه سلسلة بيانات من مختلف الأقطاب الدينية و السياسية و الاجتماعية و الفكرية و الحقوقية .

أمام هذه الصورة الدرامية وجدت نفسي حائرا و قلبي ينحسر ألما و استغرابا،كيف وصلنا إلى حد المطالبة "بتطبيق أقصى أنواع العقاب على الشخص من تعذيب أوإعدام أو نفي" ؟ و كيف نعتبر هذا العمل المشين هو "إعلان حرب من طرف شريحة معينة على مقدسات و معتقدات الدين الإسلامي" ؟ و كيف افتقدنا هذه الجرأة و الوضوح في الفتاوى التي استنكرت هذه الفعلة عندما تعلق الأمر بظاهرة العبودية التي لا نزال نكتوي بنيرانها بشكل أو بآخر !؟ أما آن لدولتنا أن تخطو خطوات حاسمة للقضاء على هذه الظاهرة متحلية بالإرادة الصادقة مستعينة "بمصادر الوحي" و بدعوة الإسلام الحقوقية إلى حرية و احترام كرامة الإنسان !؟

في الحقيقة لا يخلو النضال الحقوقي المدني من اجتهادات خاطئة و متهورة قد تؤول بصاحبها إلى نتائج عكسية خاصة عندما يتعلق الأمر بالكتب الدينية التي يُرجَع إليها في مسائل العبادات و المعاملات ، فحرق الكتب ليس عملا صائبا بقدر ما هو عملا استفزازيا و صاحبه يجب أن يصحح خطئه ويعود إلى وسائل النضال السلمي المعهودة ،لكن لا ينبغي وصمه "بالكفر" و المطالبة "بشنقه" مثلا خصوصا إذا كان ما قام بحرقه ليس كتابا منزلا و لا "بتضمن آيات قرءانية أو أسماء الجلالة" .

إن هذه الكتب رغم مرجعيتها المهمة لدينا ولطلابنا ولرواد الفقه المالكي بشكل عام في مسائل فقه الصلاة و الصيام و الطهارة و الحج و الزكاة ...لم تتناول فقه "حقوق الإنسان" الذي يعتبر الجانب الديني المغيب في ثقافتنا الإسلامية الداعية إلى تكريم الإنسان و تحريره من أغلال التبعية لغير الله عز وجل ، لكن هذا ليس تقصيرا أو قد لا يكون واردا بحكم الزمان و المكان بل التقصير هو عدم إشاعة روح الإسلام الساعية إلى تحقيق العدل و المساواة بين المسلمين و السكوت عن استغلال المسلم لأخيه باسم الدين من قبل النظام و مشرعيه .

قد ننكر ببساطة وجود هذه الظاهرة ربما لا نراها لقصر نظرنا أو لا نريد أن نراها خوفا على مصالحنا الاقتصادية و الاجتماعية أو نخشى من "غول مجهول" نتوهمه قد يحرق الأخضر و اليابس لكن عندما ننظر بالقلوب التي لا تعمى و نغوص بعمق في واقع بلدنا أرض المنارة و الرباط أرض الكرم و التسامح أرض الأدب و الشعر "سنصطدم بعبيد ما زالوا يسترقون حتى الآن" فلا الدولة تكلفت العناء في متابعة "الملاك" رغم وجود القوانين أو لبت بإيجابية نداء المنظمات الحقوقية و المثقفين الأحرار و لا المجتمع المنهك العالق بانتماءاته الضيقة و "مصالحه السياسية" و تحصيل قوته أعار اهتماما بالقضية .

في ظل هذه التناقضات نفتح الباب سهوا أو عمدا على مصراعيه لسلسلة ابتلاءات غير مدركين بأننا قد أعددنا بأيدينا لمسلك الشطط و الانحراف و لمحرقة قد تتطاير شظاياها و تطال الجميع ، للأسف إننا طرف في هذه المحرقة التي لم يكن التعاطي معها من قبل الكثيرين أو على الأقل الإعلام الرسمي محكوما بمنطق الواقع و الحكمة و الحوار البناء فنحن "شعب يجيد ردة الفعل القوية" حتى و إن اختلفت مواقعنا و مستوياتنا الفكرية .

إن اعتماد اليوم شروح و تفاسير الواردة في هذه الكتب حول مسألة العبودية التي رأت "بعدم وجوب صلاة الجمعة على العبد و جواز المتاجرة به و جواز كشف عورة الأمة أو وطئها أو بيعها حاملا دون جنينها..." مثلا أمر بعيد كل البعد عن الواقع، مما يستدعي "غربلة هذا الفقه و إسقاطه على الواقع و تحييد الفقه الميت عنه "كما دعا إلى ذلك الدكتور قطب الريسوني في بعض كتبه ، لا نود بل لا نستطيع في هذا الموقف تبرير هذه المحرقة و لا التشهير بهذه الكتب الرائدة و لا بأصحابها الأجلاء و لا تسويق مذهب أو فكر معين لكن أملنا كبير في علماءنا و مشايخنا في الوطن و في عالمنا الإسلامي الكبير في "نفض الغبار" عن هذه النصوص و تنوير البلاد و العباد بما يخدم البناء و الرقي و السلم الإجتماعي.

في هذا الإطار أشيد ببيان الشيخ الأستاذ محمد ولد سيد يحي ـ جزاه الله خيرا ـ الذي رد فيه على هذه الحادثة و هو يستحضر منطق "الحكمة و الموعظة الحسنة" كعادته دون أن أنسى أيضا دوره الكبير في إنارة الطريق لأبناء شريحة واسعة كانت "مغيبة عن مجالس العلم و المعرفة" إلا من رحم ربك ، علاوة على ذلك ، إنني أثني على ذوي الضمائر الحية في هذا البلد من أساتذة ومثقفين و كتاب و صحفيين و سياسيين الذين آثروا منهج الحوار الهادئ و منطق العقل و دعوا إلى ذلك سبيلا.

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016