الصفحة الأساسية > آراء حرة > حزب ولد أحمد عائشة : ردة فعل أم فكرة أصيلة

حزب ولد أحمد عائشة : ردة فعل أم فكرة أصيلة

الأربعاء 6 أيار (مايو) 2015  20:07

بقلم : محمد فاضل سيدى هيبه
  • طلع علينا الشاب داوود ولد أحمد عائشة بقرار تأسيس حزب سياسي جديد. أثار هذا الإعلان على غير العادة - لان تأسيس الأحزاب أصبح رياضة وطنية و صار عددها يزيد على السبعين – أثار اهتمام الرأي العام بسبب الجدل حول الوحدة الوطنية الذي سبقه و المناظرات التى بثتها بعض القنوات التلفزيونية خلال الأسابيع الماضية و ما تميزت به من مشادات كلامية بين بعض المتدخلين و ولد أحمد عائشة . يعتبر الأخير أن مكون "البظان" يواجه استهدافا ممنهجا من طرف جهات معادية و أن الوقت حان لوضع حد له.
  • المهرجان الذى أقيم السبت المنصرم بحضور مئات المنتسبين كان الانطلاقة الفعلية لهذا الحزب رغم أن الترخيص له لما يصدر بعد من وزارة الداخلية. أوضح زعيم "نداء الوطن" – الاسم الذى و قع عليه الاختيار – فى هذا المهرجان الخطوط العريضة لبرنامجه السياسي و منطلقاته الفكرية التى حصرها فى الدفاع عن الهوية الموريتانية و النضال من أجل تحقيق المطالب الاجتماعية كالتعليم ة و الصحة.
  • ليس من المؤكد أن تقبل الداخلية طلب إذن ممارسة النشاط السياسي للتنظيم الجديد نظرا للتصنيف المنهجي و السلبي التخويفي الذى دأبت عليه سلطات الأنظمة الموريتانية المتعاقبة منذ ما يسمى تجوُّزا الاستقلال لكل تصرف أو حراك يصدرعن أية جهة تنسب إلى الأغلبية العربية من هذا الشعب.. كل ما يأتى من هذه الجهة هو موسوم مُسبقا و مبد ئيا ب"العنصرية" و ب"الخطورة" (تدبير الاتقلاابات مثلا!) مهما كان ذلك الأمر بريئا و عاديا، و لا سيما أن الحزب المنتظر أعلن ("صراحة!") نيته الدفاع عن هوية مكوِّن "البظان"، و أي عنصرية و خطر أكبر من هذا ؟!.. لا تواجِه الأقلية الزنجية لحسن الحظ مثل هذا التحفظ و التوجُّس المبدءي، مما يفسر ازدهار أحزابها الخمسة و كلها مُرخصة و الاثنان الباقيان منها، "فلام" و "لا تلمس جنسيتي" شبه مرخص لهما أيضا، يمارسان نشاطهما بحرية و قادتهما يُستقبلون من أعلى سلطة فى الدولة و هو رئيس الجمهورية.. إنه الكيل بمكيالين أو لا يكون!
  • مهما يكن فان ولد أحمد عائشة صرح أن رفض الإذن لن يحول بينه وبين نشر أفكاره بكل الطرق المتاحة.. و من هنا، تم الترخيص أم لم يتم سيتبين لنا إن كان الحزب الجديد يأتى بإضافة نوعية تثرى الساحة السياسية الخاملة .. أم أنه حزب مضاف إلى سلة الأحزاب الكثيرة القائمة.
  • لا شك أن المبادئ المعلنة لهذا التنظيم و خطابه الحماسي تجد صدى معتبرا فى الوسط العربي، و منه "الحراطين" أو العرب السمر كما يحب البعض منهم أن يسموْن.. صدى على قدر شعور هذا الوسط بالإحباط و دوام تحمل الاهانات و محاولات تقزيمه رغم كونه أكثرية الشعب الساحقة (فى حدود 85%) و تحميله جميع أخطاء بنى إسرائيل. لا شك كذلك أن اتساع قاعدته التى ستتكون أساسا من الشباب و النساء كما شاهدنا فى المهرجان سيمكنه من لعب دور وازن فى الساحة السياسية على المدى المتوسط .. إذا ما تحلت إدارته الشابة و غير المجرّبة بطبيعة الحال، بالقدر الكافي من الحكمة و الاستفادة من تجارب التنظيمات السياسة الأخرى .. لن تكون مهمة سهلة على كل حال بسبب تلوُّث أفكار و مفاهيم النخب المفكرة الذى ظل التيار الشعوبي يحدثه على مدى عقود من الزمن و بشحنة العداء السائدة لكل ما يُشتم فيه توجه ذو طابع عروبي.. حتى و لو تبرأ أصحابه عمليا من تلك الصبغة و أعلنوا "بظانيةٍ" مدويةً لمشروعهم لن تشفع لهم على كل حال (لأن "لَمّيها ألَّا من الظويّه"). محاربة حزب ولد أحمد عائشة سترتكز بداهة على تهم العنصرية و الشوفينية و إقصاء الفئات الأخرى من الشعب الموريتاني و ستكون مناسبة لبعث خطاب أحداث 89 و الإرث الإنساني و تكرار اتهام البظان فى التصفيات العرقية و التهجير.. إلى آخرالمعزوفة .
  • يدافع ولد أحمد عائشة عن خطابه بقوله انه بعيد كل البعد من العنصرية و الدليل أن مشروعه متضمن للبظان البيض و البظان السمر و مفتوح لكل الفئات الأخرى..
  • لكن الرجل و رفاقه رغم هذا التحصين لرؤاهم من التهم الجاهزة باظهار حسن النيات قد وقعوا فى ما يشبه الفخ باعتمادهم مصطلح "البظان" كعنوان لمشروعهم الذى لا شك ليس من ورائه إلا النية فى تصحيح خلل ذى خطر بالغ فى المسار السياسي للبلد، و لا نملك أن نشكك فى التصريحات التى أطلقوها .. إلا أننا من الناحية العملية لا نرى جدوى و بالأحرى مبررا للمنافحة عن هوية بظانية ضيقة تمثل فى النهاية خطأً جسيما و سباحة ضد التيار، أعنى محاولة فصل - من حيث لا يدرون بالتأكيد - "البظان" عن الشعب العربي ككل و خلق هوية لا مبرر لها و لا حاجة كما قلنا، و أنهم بذلك سيقدمون للشعوبيين و أعداء الحضارة العربية فى هذه الربوع المتربصين من كل الآتجاهات: الفرنكوفونية و الأفريقوية و القطرية الضيقة و الشوفينية الموريتانية (أي التى تقصر الانتماء على موريتانيا) فرصة لم يكونوا يحلمون بها.. و سينتعش خطابهم المعادي للهوية الحقيقية الهوية العربية. سيحرِّضون و سيؤجِّجون الحملة المسعورة على اللغة العربية مثلا بالمزيد من المحاولات الخبيثة كافتعال تعارض و ن نِدِّية بين الفصحى و الدارجة الحسانية.. "اللغة الحسانية" مصطلح أصبح شائعا فى خطابهم، و يروِّجون بنفس المنطق لفكرة أن اللغات الموريتانية هي الحسانية و البولارية و الولفية و السوننكية. إن المنطق الشوفيني الضيق(الهوية البظانية) لن يصمد أمام حملات تفكيك و شيطنة الأفكار و المبادئ المؤسِّسة للحزب من طرف هؤلاء الخصوم المتمرسين، ناهيك عن الآراء الناقدة للمحللين الموضوعيين.
  • هذه "الهوية" تعتريها عيوب ثلاثة: أولا عبارة "بظان" التى تشي إلى اللون الأبيض و التى توحى بالعنصرية أو العرقية، و هو بالمناسبة كما يقول بعض الباحثين مصطلح وضعه الفرنسيون أثناء تواجدهم القديم فى منطقة غرب افريفيا ليميّزوا به بين الأقوام الذين يتعاملون معهم. ثانيا الالتباس و الغموض الذان تحدثهما هذه العبارة عند السامع الذى يرتبك فى من هو المعنيِّ بهذه الكلمة هل هو الأبيض وحده أم عموم الشخص البظاني بغض النظر عن لونه، لأن البظان كما قال ولد أحمد عائشة هم ثقافة و نمط حياة و ليسوا عرقا واحدا بل أعراق متعددة.. لكن هذا كله يتعذر شرحه فى كل مرة تثار فيها المسألة .. أما العيب الثالث فهو الذى وصفناه بالخطِر و الخطأ الجسيم، أي الابتعاد عن الحاضنة العربية و المزيد من العزلة عن العالم العربي الذى لا وجود ثابتا لنا فى التحليل النهائي من دونه، شأنا ذلك أم أبيناه.
  • على كل حال فان تغير الأسماء و المصطلحات إلى أسماء أو مصطلحات أخرى مختلفة لن يكون ابتكارا فى حالة تبديل عبارة "بظاني" أو "حرطاني" بعبارة "عربي" المختصرة الجامعة. مع أن ما وراء التعبيرات من أصالة يبرر لوحده هذه العملية فقد سبق أقوام آخرون إلى مثل هذا التبديل. فالإخوة الزنوج قد أبدلوا فى ماض قريب اسم "التكارير" ب"بولار" و"سراكولى" ب"سونينكى" .. لكن المثال الأكثر دلالة بالنسبة إلى موضوعنا هو ما أقدم عليه أشقاؤنا فى مالى و هم من هم من بنى جلدتنا و من قبائلنا لكنهم ألغوا عبارة "بظان" وراء ظهورهم و جعلوا مكانها فى التخاطب الرسمي مع الهيئات الخارجية على الأقل و كهوية يستظهرون بها عند الحاجة تسمية "عربي"، فأصبح يقال عرب مالى، عرب أزواد و لا يقال بظان مالى، بظان أزواد. مما ضمن لهم مزيدا من التلاحم و الاتحاد. وحدة التعبير تعين على وحدة المصير .. هم جد متقدمين علينا فى هذا المجال و علينا الاحتذاء بهم.
  • إن الوسيلة الأمثل للانفكاك من هذا المأزق اللغوي البالغ التأثير فى تكوين أي تنظيم تحت يافطة الهوية البظانية هو الخروج إلى فضاء العروبة الأرحب و وضع الأمور فى إطار الدفاع عن عموم الهوية العربية المشتملة بطبيعة الحال على الكينونية البيظانية ببعديها الأبيض و الأسود، بشرائحها و فئاتها التقليدية المعروفة .. و التى يعلم الله أنها مهددة أيما تهديد!.. و يكون ذلك الخروج بحزم و شجاعة و تصميم على مواجهة الهجمات المعادية المتوقعة.
  • خلاصة القول إن تأسيس حزب ذى مرجعية بظانية صرفة، حتى بفهوم البظان الواسع من دون الاستناد الى الظهير العربي أو أي ظهير آخر يمكن الاستقواء به فى هذا المحيط المعادي – خلافا للمكونات الأخرى من الشعب الموريتاني ذات الوضع المريح فى هذا المجال - سيعرِّض هذا المكون العربي الهش و المتناحر، و إن كان يمثل أكثرية ساكنة البلاد، كما سيعرِّض البلد عموما إلى أخطار يصعب تحديدها و مواجهتها.
  • من المؤكد أن البعض فى حملتهم على المولود الجديد سيبسِّطون الطرح إلى مستوى اعتبار ولد أحمد عائشة نظيرا لبرام ولد عبيدي و حزب "نداء الوطن" نظيرا ل"ايرا" رغم الفروق الجلية بين التنظيمين. فالأول أعلن أن توجهه وطني يشمل جميع فئات الشعب الموريتاني و أن جانب الهوية من برنامجه هو ردة فعل على ما يواجهه البظان ككل من تهديد و استفزاز. أما على مستوى الخطاب فيحاول تجنب العنف اللفظي تجاه كل الشرائح و الفئات فى ما يعتمد برام خطابا راديكاليا يميل إلى التهجم و شتم فئة واحدة بعينها، فئة البظان على طريقة "فلام" المتحالفة مع منظمته "ايرا" و يجعل هدفا لمشروعه السياسي تدمير نظام "العرب-البربر" تماهيا كذلك مع فكر و خطاب المنظمة البولارية.
  • مهما يكن من أمر فإننا نطلب من جميع الفاعلين السياسيين، الجدد و منهم ولد أحمد عائشة و حزبه "نداء الوطن"، و السابقين الأولين من الطبقة السياسية، نطلب الرفق ببلدهم الهش و الضعيف البنى كي لا يزول تحت أقدام المتعاركين و لتبقى لهم على الأقل حلبة يمارسون عليها هوايتهم.

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016